بين البقايا

7:39 ص اريج الامل 0 التعليقات



بين البقايا

قبل أن يلقي الظلام برداءه الكامل على الأرض, كانت السماء تطرد بقايا الضوء بقوافل الغيوم, أخرج رأسه من نافذة السيارة وبنظرة خاطفة علم أن ليلته مع الغيوم الموشكة على الانفراط, لن تكون عذبة السمر.

بدأت قطرات المطر تطرق بدن السيارة, وشيئا فشيئا ازدادت ضوضائه حتى غطى هديره هدير محركها. شرع في معالجة سيرها ومحاولة توجيهها, بيد أن محاولاته المستميتة في السيطرة عليها ذهبت أدراج الرياح...

ارتفع منسوب الماء وتلاطم موجه, فتأرجحت السيارة كالقشة وأصبح وجوده فيها غير مأمون الجانب؛ لهذا ترجل عنها ولا يعلم إن كان هذا الفعل صائب أم لا. خاض في الماء الذي أرتفع إلى أذنيه, وأخذ يصارع الموج المحمل بمجروفاته التي لا تحصى. أخذت أشواك الأرض وصخورها تنهش قدميه الحافيتين, و برغم قوة تيارات الماء والهواء إلا أن فكرة الاستسلام لم تكن من أولوياته حينها.

حارب طقوس وضعه بصبر, حتى أخرجه سيره المستقيم إلى هضبة ترتفع بأمتار قليلة عن مجرى الماء.

نظر في صفحة السواد التي تلف محيطه....  ابتسمت له من بعيد بقعة ضوء تتلألأ, فأنخرط كالسهم صوبها.. عندما اقترب من المكان كان منزل يضج بمزاح الأطفال, وأصوات نساء ورجال. سرّه الأنس الذي تسرب مع الأصوات إلى مسامعه. وشرع في الطرق وهو بين اليأس والأمل يتساءل في وجل: هل سيسمح له أرباب المنزل  بالانضمام إليهم هذه الليلة؟

فُتح الباب.. استقبله رب الدار بالحفاوة والتكريم.. اطمأنت نفسه بهذه الحفاوة وقال في نفسه:  كنت أعلم أن كل صفحة سواد يجب أن يكون فيها بقعة ضوء نلجأ إليها إذا ما تخطفتنا الأسباب.

هُيئ له متكئا في صدر المجلس , وجلس يتسامر مع رب المنزل حتى حظر الطعام وأصطف بأشكال وألوان, فثارت شهيته ومد يده, وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم...  عندها انطفأ الضوء وغارت الأطباق التي كانت تتلألأ في عينيه من ثواني, واختفت الجدران بقاطنيها, وإذا به وسط بقايا بناء مهجور,لا يمزق صمته الأزلي سوى نحيب المتقشرات من بقايا حيطانه المتآكلة.. تلفت حوله.. أمعن النظر.. أدار بصره مرات قبل أن يرجع  إليه البصر خاسئا  ويسقط مغشيا عليه. 

0 التعليقات: