تصادم

7:54 ص اريج الامل 0 التعليقات






 تنهدت وهي تنظر من نافذة القطار إلى البراري الراكضة إلى الخلف ونور النهار الموشك على الانطفاء يعكس الألوان الجميلة الزاهية الخضراء أحيانا,
 وأحيانا أخرى الكثبان الذهبية المتلألئة..
لم تعرف إيمان  القطار قبل اليوم.. الصدفة وحدها من اخترع لها السفر على متنه ضنا منها انه وسيلة النقل الامتع..
-  هناك طبيبة ماهرة في علاج  تكيس المبايض في العاصمة, (قال لها زوجها).
 ثم أضاف:  ستذهبين إلى منزل شقيقك بمفردك لتلقي العلاج.. فقد فشلت في إقناع رؤسائي بالسماح لي بالسفر معك..
لم تكن تعلم أن الطريق سيكون مملا إلى هذه الدرجة.. امتطت جناح الصمت طويلا وهي تغازل الطبيعة أحيانا وتسبح في بحار الأحلام أحيانا أخرى, وقليلا ما كانت تحصد الوجوه القابعة معها في نفس العربة بنظرات سريعة.. لفتتها نظرات العجوز القابعة أمامها بلا حضور, ثم الرجل الأنيق المنكب على إذن الأنثى التي بجواره , والرجل الذي خلفه المغطى معظم وجه بالشعر وكأن وجهه يتحين الفرصة للانطلاق بالوعظ الهادم المزلزل بالترهيب والترهيب..
 لم تجد في هؤلاء الرفيق الذي ترغب قي معيته,  حتى  المرأة التي تجلس بقربها تحايل رضيعا اقترب من إتمام عاميه, كانت بالكاد تبتسم إن تلاقت نظراتهما وبالكاد تهمس همسا لصغيرها.
ليتني اخترت طريقة أسرع للوصول, قالت في نفسها, وجهها لا يخفي الكثير كما يقال لها دائما. و كأن العجوز التي تجلس أمامها فهمت الملل الذي أصابها فقالت بابتسامة فاترة :
  بعد دقائق سنمر من أمام القصر المهجور المسكون وستسمعين أصوات سكانه وترين ظلالهم تمر كسحابة سوداء داخل القطار.
أطفأ الذعر ذبالة اتزانها فنظرت بحاجبين رفعتهما الدهشة إلى المرأة التي بقربها ووجها يطرح  السؤال: هل هذا صحيح؟
بحركة من رأسها تعني الإيجاب ردت المرأة الأخرى.. وكأن الرجل الأنيق الذي تبين من حديثه أنه على ثقافة, وجد أرضا خصبة في هذا الموضوع ليؤكد عدم صحة هذه الأقاويل ويؤكد أن الهرطقة تفشت حتى كادت ان تصير واقعا..
 لكن, لم يطل به الأمر وهو يشرح أهمية خروج المجتمع من بوتقة الخرافة وأن العلم قادر على تفسير كل الظواهر مهما عصي فهمها, حتى خرج الرجل ,ابو الشعر كما أكنته بينها وبين نفسها, خرج عن صمته, وبدأ بتحريك دفة الكلام إلى الحلال والحرام والتصديق بما هو ظاهر وخفي. .فـ تراجع الرجل الأنيق وصمت بعدها صمت القبور إلا من مناجاة فتاته بين الحين والآخر.
ابتسمت العجوز وقالت: أما أنا فأصدق.. أصدق لأني مررت بتجربة يخالني كل من أسردها علية مجنونة أو خرِفة. ثم أردفت وفي حديثها نبرة تحذير:
هل تودين سماعها؟
-     نعم ( قالت إيمان)
قالت العجوز: ترك لي زوجي خمسة أطفال وغادر إلى الرفيق الأعلى.. لم يترك لي شيئا.. دخلت في يم عظيم من الحزن والغضب غذتهما المخاوف الكثيرة من الغد وما يحمله.. فصرت أنعي ليل نهار, ساخطة لما فاجأتني به الأقدار حتى ارتسم الحزن والخوف على وجوه أطفالي وتراجع نموهم الفكري والجسدي وكل هذا أراه ولا أبالي حتى جاءت تلك الليلة التي جافاني فيها النوم, ساهدة  أقلب أحزاني ودمعي يفيض وإذا بقرقعة عظيمة تهز سقف منزلي.. استعذت بالله ونهضت للوضوء ولأصلي ركعتين في جوف الليل..
 فتحتُ باب الغرفة.. فوجدته أمامي.. كان كسيحا بهيئة بشعة.. قال لي حين رآني.. أنت أيتها المرأة لقد أقلقت منامي وبعثرت اتزاني بنحيبك المتواصل.. أنظري إلى هؤلاء النيام خلفك, وأشار إلى اطفالي النيام, إن لم تكفي عن اعتراضك سآخذهم وأرحل.... ثم أختفى كأنه لم يكن!
قالت إيمان:  وبعد
قالت العجوز : كففت عن النحيب والتفت لأداء الرسالة التي كُلفت بها..  زحفت زحفا للوصول بأطفالي إلى بر الأمان.
قالت إيمان : جزاك الله خيرا.. قال الرسول الكريم : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة, وأشار إلى إصبعيه المتلازمتين..         
لماذا أخاف؟ قالت لنفسها, العربة مليئة بالركاب الذين خبروا تجربة السفر على هذا القطار.. شاهدوا وخرجوا من تجربتهم بلا شيء.. (التجربة التي لا تؤذي لا يتعلم المرء منها شيئا).. لا أظنها مؤذية, قالت في نفسها وعادت لمراقبة الطبيعة.. فجأة بدأ الهرج والمرج في القطار وأستعد الجميع بقراءة  المحصنات.. القت نظرة سريعة من النافذة, فرأت بناء مهولا يقترب على بساط الأرض.. كان غروب الشمس يؤثث لنوبة الهلع التي ستصاحب الموقف.. بينما القطار يشق دربه دون وجل والبناء يقترب, بدأت أصوات غريبة ترتفع شيئا فشيئا.. بدأت خفيفة كالنحيب تم ارتفعت حتى كادت تصم الآذان. دخل القطار في سديم داكن وبعد لحظات هدأت الأمور وكأن شيئا لم يكن..
ألتفت الرجل الأنيق إليها وقال: لم اسمع سوى صرير وأصوت احتكاك غير طبيعي .. أؤكد لك ان هناك مشاكل تقنية جمة في طريقها إلى الظهور على هذه السكة.. أما عن ما سردته العجوز فلست ملزما بتصديق كل ما اسمعه.. قالت العجوز: دعك مني..    أقصى إيمانك الأنثى التي بين يديك..
أبتسم وقال : هذه أحلام, رفيقة دربي .
بسلام مر القطار.. أسبوع مر وخلفه آخر ومازالت أحداث الرحلة
 تراقص ذاكرتها.. ترى من منهما على صواب رجل المثالية أم الآخر؟ لكل منهما وجهة نظر.. الماورائيات والظواهر أيهما أحق بالدراسة؟ هزت كتفيها وكأنها تنفض عنها غبار الأسئلة العالقة في رأسها من أسابيع.. جاءها الرد من شاشة التلفاز ينقل حدث الساعة:
بروز بناء أثري تحت  سكة قطار ظل  يهوي بثقله على قشرة الأرض  حتى أصطدم به مخلفا آثارا مروعة.

0 التعليقات: